858 قراءة
آخر تحديث 23 أغسطس 2020
د. عبدالله المسند
0 تعليق
0 طباعة
وزارة التغير المناخي في السعودية
في ظل الاحتباس الحراري المتصاعد، وتغير المناخ في كوكب الأرض، حيث بدت آثاره السلبية جلية على كل القارات من ارتفاع في درجات الحرارة، وجفاف في بعض الأمصار، وفيضانات في بعض الأقطار، وارتفاع في مستوى سطح البحر في المحيطات والبحار، سارعت بعض الدول المتقدمة إلى إنشاء وزارة خاصة لتغير المناخ، لمواجهة المشكلة، ومجابهة التحديات، وللتخفيف من الآثار المترتبة على التغير المناخي على مناشط الحياة قاطبة.
وفي معظم مناطق #السعودية يتجاوز طول فصل #الصيف التقسيم الجغرافي العالمي المعروف ثلاثة أشهر (يونيو، يوليو، أغسطس) إلى نحو خمسة أشهر (مايو، يونيو، يوليو، أغسطس، سبتمبر)، وهو يمثل نحو نصف السنة، ودرجة الحرارة العظمى فيه لا تنخفض عن 40 درجة مئوية على وجه العموم، وفي شدة الحر تُحلق درجة الحرارة في نهاية الأربعينات، وأثناء موجات الحر الشديدة تكون في بداية الخمسينات، في مشهد لم يكن السعوديون يسمعون به قبل نحو أربعة عقود من الزمن.
علاوة على ذلك فإن درجة الحرارة في ارتفاع مطرد، مما تسبب في شكوى الكثير من المواطنين من شدتها، وطول فترة الحر في فصل الصيف الطويل، والرتيب، والمرهق، وارتفاع فواتير الكهرباء، والتأثيرات السلبية على المحاصيل وعلى الحيوانات، كما الممتلكات، وتُشير التوقعات العلمية إلى أن العقود القادمة ستشهد الأرض ارتفاعات غير مسبوقة في درجة الحرارة في ظل إفساد عالمي للمكونات الطبيعية للغلاف الجوي عبر انبعاثات غازات الدفيئة.
والاحترار العالمي يؤثر سلباً ليس على صحة الإنسان وعلى الاقتصاد فحسب، بل حتى على الحيوانات، والنباتات، والممتلكات، والسؤال المُلح: ماذا أعددنا نحن السعوديون لمواجهة، ومجابهة هذا التغير المناخي المقلق على مستوى الدولة أولاً؟ والمواطن ثانياً؟
أزعم أننا بحاجة إلى استحداث وزارة جديدة للتغير المناخي، وهذا ليس حدثاً مبتدعاً، ولا ترفاً منتقداً بقدر أن الحاجة ماسة في وضع خريطة طريق للتعايش مع الاحترار الحالي، والتكيف معه، عبر التخفيف من حدته، هذا ومن المتوقع أن يكون المستقبل أشد قتامة من الوقت الحاضر وفقاً للإحصاءات العلمية والمؤشرات الرقمية المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة خاصة ثاني أكسيد الكربون، فمن المتوقع أن تعتاد المنطقة على بلوغ درجة الحرارة بحر الخمسينات المئوية لأكثر من شهر في فصل الصيف، وذلك بعد نحو عقدين من الزمن، مما قد يدفعنا إلى الذهاب إلى الدوام في الفترة المسائية، أو الدوام من بعد صلاة الفجر في فصل الصيف على الأقل بسبب شدة الحرارة، والتي قد تتجاوز 50% من درجة غليان الماء!!.
ونظراً لخطورة الوضع الجوي والبيئي على المنطقة أقترح البدء في التفكير بإنشاء وزارة التغير المناخي في السعودية لتعنى بما يلي:
- مراقبة مناخ السعودية (وليس طقس السعودية) عبر المنظور التاريخي والمستقبلي.
- إنشاء مركز علمي للأبحاث والدراسات التطبيقية، وأؤكد تطبيقية ذات الصلة، من أجل السعي إلى التخفيف من حدة آثار التغير المناخي، على مناحي الحياة (المناخ والصحة، المناخ والزراعة، المناخ وتربية الحيوان، المناخ والنقل، المناخ والرياضة، المناخ والسياحة، المناخ والتجارة، المناخ والتعليم ..إلخ).
- الدعم السخي لكل فكرة، واختراع، وسبيل للتخفيف من حدة ووطأة درجة الحرارة والتكيف معها.
- إعداد وتنظيم إستراتيجية وطنية طويلة الأمد في الانتقال من الطاقة التقليدية لتوليد الكهرباء إلى الطاقة المتجددة والنظيفة كالطاقة الشمسية وذلك في المنازل نفسها، لتساهم في تبريد المنازل بتكلفة زهيدة في ظل درجات حرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية.
- تهيئة أكواد خاصة ومتابعتها في جعل المباني الخاصة، والعامة ذكية وخضراء في عملية الاستفادة القصوى من القوى الطبيعية في تبريد المباني، وتخفيض درجة حرارتها.
- إعداد خطة وطنية ضخمة للبدأ في التشجير والتخضير الكثيف للمدن، والقرى، والطرق حتى تكسر حدة درجة الحرارة إلى نحو 10 درجات مئوية أو أكثر.
- العمل على دراسة فكرة توحيد لون المباني لتكون ذات ألوان فاتحة أو بيضاء ناصعة؛ للتكيف مع الاحتباس الحراري العالمي.
- العمل على تغيير مواصفات السيارات لتتلاءم مع تغير المناخ العالمي، وخاصة مسألة التضليل الآلي للزجاج، ودمج مظلات آلية تكون مدمجة مع السيارة.
- العمل على صناعة مظلات عملاقة وذكية ومبتكرة فوق الأحياء بطريقة تخفض درجة حرارة المباني ما بين 5-10 درجات مئوية (سأفرد لهذه الفكرة مقالاً مستقلاً).
- تمثيل السعودية في الهيئات والمنظمات والمحافل الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالتغير المناخي، وعلى رأسها الحكومة العالمية للتغير المناخي (IPCC).
- تنمية الوعي الوطني في خطورة التغير المناخي على الإنسان، وأنشطته وعلى النظام البيئي بشكل عام.
- وضع الخطط والاستراتيجيات التي تعمل على التخفيف من ظاهرة التغير المناخي.
- نشر البحوث والدراسات والمؤشرات المتعلقة بالاحترار العالمي وبالتغير المناخي.
- تشجيع التنمية المستدامة والتي تكون عضيداً للتخفيف من ارتفاع درجة الحرارة، ودعم الاقتصاد الأخضر.
وقد يقول قائل: وما الجدوى من وزارة جديدة للتغير المناخي، وكان بالإمكان دمج مهامها المقترحة مع وزارات وجهات قائمة حالياً ومنها: وزارة البيئة والمياه والزراعة، الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وزارة الشؤون البلدية والقروية، الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة؟
والجواب أقول: أرى ـ والله أعلم بالصواب ـ أن تبعات التغير المناخي وخطورته على الإنسان ومناشطه من الأهمية والتعقيد بمكان أن تستقل بوزارة لوحدها، ولنا في الدول التي وعت وأدركت أهمية الموضوع مثالاً وقدوة، من جهة أخرى وزارة البيئة والمياه والزراعة الحالية عبارة عن ثلاث وزارات ضخمة ومعقدة ومهمة في وزارة واحدة، والأقرب للصواب أن تفكك تلك الوزارة المترهلة، فنجعل وزارة للبيئة مستقلة ويُجمع شتاتها المبثوث منها في أكثر من وزارة وجهة لأهمية توحيد الرؤية، وتطبيق النظام، وتسهيل المتابعة في مجال البيئة، وهذا ديدن كثير من الحكومات، حيث استقلت البيئة في وزارة خاصة، وإن استصعبتم جعل وزارة للبيئة وأخرى للتغير المناخي فما دون جمعهما في وزارة واحدة، وزارة البيئة والتغير المناخي.
وعلاوة على ما تم طرحه أقترح أيضاً أن تُفصل الزراعة عن المياه كما كانت سابقاً، لكون قطاع الماء والزراعة من الأهمية والخطورة بمكان أن لا تجمع وتدمج، ودمجهما في وزارة واحده يشبه لو دمجنا وزارة الشؤون الإسلامية مع وزارة الرياضة!!، إذ لا رابط منطقي بينهما.
أما الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة فوفقاً للاقتراح السابق فالبيئة تدمج مع وزارة البيئة المقترحة، والأرصاد جهة تُعنى في رصد الظواهر الجوية ونشرها، وليس لها علاقة بالدراسات المناخية العلمية، أو الدراسات المناخية التطبيقية، وهذا أمر مشاهد وملموس، إذ إن مخرجات أقسام الجغرافيا، والعلوم، والزراعة، والهندسة، والبيئة المتعلقة بالمناخ التطبيقي تعج بها المكتبات، بينما لا نجد هذا عند الهيئة العامة للأرصاد وموقعها الإلكتروني بين يديكم، وعليه ونظراً للخطورة الكامنة في أثر تغير المناخ الحالي والمستقبلي على البيئة، والمياه، والإنسان، والبنية التحتية، فضلاً عن الإنسان تستدعي التفكير ملياً في شأن إنشاء وزارة خاصة للتغير المناخي.
وختاماً دونكم الدول التي أدركت خطورة وأهمية التغير المناخي على الإنسان ومناشطه وعلى البيئة بشكل عام فسارعت بإنشاء وزارة للتغير المناخي من أجل التخفيف والتأقلم معه ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الإمارات، باكستان، كندا، فنلندا، اليونان، الهند، ماليزيا، نيوزيلندا، رومانيا، سكوتلندا، بريطانيا.
*الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون
23-08-2020م
www.almisnid.com
almisnid@yahoo.com