|
|||
---|---|---|---|
:. المركبات الفضائية، أو محطة الفضاء الدولية International Space Station (ISS)تدور حول كوكب الأرض بارتفاعات شاهقة تبلغ نحو 300 كم فأعلى، وبسرعات هائلة تصل إلى 28 ألف كم في الساعة، وذلك خارج نطاق جاذبية الأرض، وخارج نطاق الغلاف الجوي الكثيف، لذا فإن الرواد ومركباتهم متحررون من سيطرة جاذبية الأرض، ودورانها حول نفسها، وما ينجم عنه، والرواد يدورون حول الأرض دورة كاملة كل 90 دقيقة، لذا فالليل والنهار يتعاقبان على رواد الفضاء خلال 24 ساعة 16 مرة، أي تشرق الشمس 16 مرة خلال 24 ساعة، وتغرب 16 مرة خلال الفترة نفسها، لذا ومن أجل تنظيم الوقت فقد تم اعتماد توقيت جرينتش على متن المحطة الدولية ISS ، وذلك لحساب وتحديد وقت العمل، وبداية الليل ووقت النوم، ولحساب عدد الأيام الأرضية ونحو ذلك. ولكن ماذا يفعل المسلم عندما يكون على متن المكوك الفضائي، والذي يبقى في الفضاء الخارجي لمدة سبعة أيام بالمتوسط؟ أو يكون على متن المحطة الدولية، حيث يبقى الرائد فيها بضعة أشهر؟ وكيف يؤدي المسلم الصلوات الخمس؟ كيف يتوجه إلى القبلة؟
:. الجواب: لا شك أن الصلوات الخمس واجبة بحق المسلم في حله وسفره، وفي سلمه وحربه، وفي صحته ومرضه، ولا تسقط عنه إلا في حالة فقدان عقله على الصحيح، والصلاة واجبة بحق المسلم فوق سطح الأرض، وفي عمق المحيطات داخل غواصة مائية، ومعلقاً بمكوك فضائي في السماء، وعلى سطح القمر، أو أي كوكب سماوي، وفي الوقت نفسه وجوب الصلاة غير مربوط بوجود العلامات الشرعية الفلكية من عدمها، والدليل على ذلك حديث الدجال المشهور، والإسلام بأركانه وواجباته يتناغم مع معطيات العصر والتقنية الحديثة، فلو افترضنا أن المسلم سافر إلى القمر وأقام هناك أياماً أو أشهراً، أو شارك في رحلة إلى كوكب المريخ في المستقبل فكيف سيؤدي صلاته اليومية، وكيف يتوجه إلى القبلة؟ وكيف يتعامل مع مسألة تغير الوقت اليومي والشهري والسنوي؟.
:. عند التأمل في هذه المسألة ومناقشتها مع بعض الفقهاء أحسب ـ والله أعلم ـ أن لرائد الفضاء المسلم خيارات ثلاث هي: الخيار الأول: ربط رائد الفضاء المسلم - سواء كان على متن المكوك الفضائي، أو في محطة الفضاء الدولية، أو على مستوطنة بشرية على سطح القمر، أو على كوكب المريخ مثلاً - أن يربط بتوقيت مكة المكرمة في توقيت الصلوات الخمس، ووقت الإمساك والإفطار، وطول الليل والنهار، وطول الشهر القمري وبدايته ونهايته، مع الأخذ بعين الاعتبار مشكلة بسيطة ومؤقتة تظهر في الساعات الأولى من الرحلة، وهي أن مكة المكرمة تتقدم في التوقيت عن موقع إطلاق المكوك في الولايات المتحدة الأمريكية بسبع ساعات، وعليها فإن على الرائد المسلم عند استوائه في السماء بمركبته الفضائية أن يقضي الصلاة الفائتة (إن) كان عليه، بسبب اختلاف التوقيت بين مكة وموقع الانطلاق، بعدها يعتمد توقيت مكة والله أعلم.
الخيار الثاني: أن يعتمد توقيت الموقع الذي انطلق منه (كاب كانافيرال Cape Canaveral)، ومن فوائد هذا الخيار أن يتناسب ترتيب مواقيت الصلاة، بين صلاته الأخيرة على الأرض قُبيل الإقلاع، مع صلاته الأولى في الفضاء، كما يتناسب هذا الخيار أيضاً مع ترتيب صلاته الأولى في الأرض، عند عودته حيث أقلع، حيث لا يفوته وقت صلاة، أو يتقدم أو يتأخر عن صلاة، بعيد إقلاعه أو هبوطه.
الخيار الثالث: أن يعتمد توقيت جرينتش، وفقاً للنظام المعتمد في المكوك أو المحطة الفضائية الدولية، وعندها أقول كما ذكرت في الخيار الأول، جرينتش تتقدم عن كاب كانافيرال بأربع ساعات، وعليها قد يتطلب منه إذا استوى في السماء أن يصلي فرضاً على الأقل فائت بسبب فارق التوقيت بين جرينتش وموقع انطلاق المكوك من الولايات المتحدة الأمريكية (الفارق أربع ساعات)، خاصة إذا كان موعد الرحلة مساء حيث تتقارب أوقات الصلاة.
وأحسب أن الخيار الثالث أسهل وأرفق بالرائد المسلم، لأنه في حكم توقيت وكالة الفضاء الأمريكية، وينام ويستيقظ وفقاً لجرينتش مع رواد الفضاء المصاحبين له في الرحلة والله أعلم. وهذا الخيارات الثلاث مستنده على حديث الدجال الذي رواه مسلم في صحيحه وغيره: (قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)[i] .
هذا من جهة الوقت لرواد الفضاء المسلمين، أما من جهة القبلة وكيفية استقبالها فأقول: إن دوران المكوك أو المحطة الفضائية حول الأرض يحدث بشكل سريع ومتكرر، وأحياناً تكون القبلة تحتهم أو فوقهم، لذا فإن استطاع رائد الفضاء المسلم تحري الوقت الأمثل الذي يُمَكِّنه من استقبال القبلة ولو إلى جهتها لا عينها فليفعل، فإن لم يستطع فليصلِّ إلى الجهة الأيسر له، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[ii] ، وقد قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[iii] وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[iv] وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[v].
أما إذا كان رائد الفضاء المسلم بعيداً عن كوكب الأرض كأن يكون على القمر، أو المريخ في المستقبل فقبلته كوكب الأرض إن استطاع التوجه إليه والله أعلم.
وفي الختام هذا ما عنّ في ذهني في هذه المسألة الفقهية الفلكية الجديدة، فإن وفقت بطرحي وعرضي فهذا فضل من الله، وإن كان غير ذلك فعذري أني اجتهدت وأستغفر الله من الخطأ والزلل، وقد يقول قائل لماذا لم تستشهد بأقوال العلماء والفقهاء في هذه المسألة؟ والجواب هذه المسألة جديدة، وحادثة، والمعني بها هم فقط رواد الفضاء المسلمين، والذي بلغ عددهم حتى الآن تسعة رواد فقط، لذا لم أجد وفقاً لبحثي واستقصائي للمسألة قولاً أو رأياً أستند إليه والله أعلم.
*عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم - السعودية، والمشرف على جوال كون.
|
|||
|