مسائل فقهية جغرافية في عبور خط التاريخ الدولي
د. عبدالله المسند*
تنويه: لمعرفة سبب الإشكال الفقهي الزمني وتصور المسألة جغرافياً يحسن الاطلاع على هذه المقالة " خط التاريخ الدولي" اضغط هنا..
أولاً: الصلاة
مسألة: عندما يعبر المسافر خط التاريخ الدولي من الغرب إلى الشرق فإنه يرجع إلى الماضي، ويكسب يوماً كاملاً! فهل يلزمه إعادة الصلوات مرة أخرى!؟
وبالمقابل عندما يعبر المسافر خط التاريخ الدولي من الشرق إلى الغرب فإنه يخسر يوماً كاملاً!! فهل يلزمه قضاء خمس صلوات فائتة!؟
الجواب: في كلتا الحالتين فإن المسافر يصلي كل وقت بوقته، وفقاً لأوقات الصلاة الثلاثة للمسافر (الظهر مع العصر، المغرب مع العشاء والفجر) لقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، وعندما يعبر خط التاريخ الدولي سيتغير في حقه التاريخ واليوم فقط.
فإذا كانت حركته من الغرب إلى الشرق نقص يوماً .. والعكس بالعكس (طالع الشكل المرفق)، ولكن هذه (الحقيقة) لا تُغير شيئاً في أوقات الصلاة، بمعنى أننا نتجاهل هذا الخط الجغرافي الوهمي في شأن مواقيت الصلاة، إذ إن المسافر كما المقيم مرتبطان بعلامات فلكية تُحدد أوقات الصلاة شرعاً، وهذه العلامات الفلكية المحددة متعلقة بمكانه الجغرافي الحالي فقط، وعليه فلا يلزم المسافر ـ الذي عبر خط التاريخ الدولي في أي اتجاه ـ لا القضاء ولا الإعادة بشأن الصلاة، حتى ولو تغير عنده اليوم والتاريخ أثناء مروره فوق خط التاريخ الدولي.
هذا من جهة ومن جهة أخرى قد تتكرر على المسافر صلاة الجمعة في أسبوع واحد مرتين بسبب عبوره خط التاريخ الدولي من الغرب إلى الشرق!! كمن يصلي الجمعة في طوكيو ثم يسافر إلى كاليفورنيا مباشرة، فسوف يصل إلى ولاية كاليفورنيا صباح الجمعة ويصادف صلاة الجمعة مرة ثانية خلال أقل من 24 ساعة!! وعليه أن يؤدي صلاة الجمعة مرة ثانية، إذ يلزمه أن يكون مع جماعة المسلمين في تأدية الفرض ولا يخالفهم ويشذ عنهم، وبالمقابل قد لا يوافق المسافر صلاة الجمعة بسبب عبوره خط التاريخ الدولي من الشرق إلى الغرب!! كأن يسافر يوم الخميس بُعيد صلاة الظهر من كاليفورنيا متجهاً إلى طوكيو، حينئذ سيصل إلى طوكيو عصر الجمعة، وبالتالي يمضي عليه أسبوع دون أن يوافق صلاة جمعة!! هذا والله أعلم.
*******
ثانيا: الصيام
المسألة الأولى: إذا عبر الصائم في رمضان خط التاريخ الدولي من الشرق إلى الغرب أو العكس فإنه لا يترتب عليه كبير إشكال إذا كان مجموع صيامه في نهاية رمضان هنا أو هناك 29 يوماً أو 30 يوماً؛ لأن الشهر القمري لا يقل عن 29 يوماً، ولا يزيد عن 30 يوماً، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) يَعْنِي ثَلاَثِينَ، ثُمَّ قَالَ: (وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ يَقُولُ مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ متفق عليه، وفي رواية (إنّ اللهَ قَدْ جَعَلَ الأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَشْهُرَ لا تَزِيدُ عَلَى ثَلاثِينَ)، ولكن إن تم الشهر في الموقعين ثلاثين يوماً، وقد صام 29 يوماً، فإنه يلزمه قضاء يوم بعد رمضان.
المسألة الثانية: إذا ترتب على سفره وعبوره لخط التاريخ الدولي نقص يوم من الشهر القمري ليصبح مجموع شهر رمضان في حقه 28 يوماً!! وهذه المسألة تقع في حالة أنه سافر من الشرق، (على سبيل المثال من كاليفورنيا) إلى الغرب (اليابان)، فإنه يخسر يوماً كاملاً، فإذا صام المسلمون في اليابان 29 يوماً ـ وهم أي كاليفورنيا واليابان بدأوا بيوم واحد كالاثنين مثلاً ـ فإنه بحقه يكون الشهر 28 يوماً! فما الحكم في هذه المسألة؟
الجواب: يقال له أفطر مع المسلمين في اليابان يوم العيد، واقض يوماً بعد رمضان؛ لأن الشهر القمري لا يقل عن 29 يوماً، ولا يزيد عن 30 يوماً، وفي الحديث: (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ).
المسألة الثالثة: إذا ترتب على سفره زيادة يوم من الشهر القمري ليصبح مجموع رمضان في حقه 31 يوماً!! وهذه المسألة تقع في حالة أنه سافر من الغرب على سبيل المثال من اليابان إلى الشرق حيث كاليفورنيا ، فإنه يتكرر عليه يوم كامل، فإذا صام المسلمون في كاليفورنيا 30 يوماً فإنه بحقه يكون الشهر 31 يوماً! لأن اليوم الأخير عنده تكرر بسبب عبوره لخط التاريخ الدولي، فما الحكم في هذه الحالة؟
الجواب: اختلف الفقهاء في صيام اليوم الحادي والثلاثين لمن سافر بين بلدين يكون رمضان بدأ فيهما بيومين مختلفين ففي مثل هذه الحالة، من الفقهاء من يقول لا تصم اليوم الحادي والثلاثين بل تفطر سراً لأن الناس صائمون، ومراعاة لحرمة الشهر، والشهر في حقه قد تم 30 يوماً، ولأن الشهر القمري الهجري عند المسلمين إما 29 أو 30 يوماً فقط، وهذا مذهب الشافعي، أما قول الجمهور ورجحه شيخ الإسلام إبن تيمية أنه يمسك يوم الحادي والثلاثين لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ)، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته حيث قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، على اعتبار أنه يوم من رمضان، ومنهم من قال يصوم اليوم الحادي والثلاثين نفلاً، لا كونه يوماً من رمضان .. هذا والله أعلم.
*******
*عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون
1435-10-26هـ
2014-08-22م
www.almisnid.com
almisnid@yahoo.com
|