مركز الإنذار المبكر للمخاطر البيئية
د. عبدالله المسند*
:. في ظل ظروف جوية متطرفة، ومتغيرات مناخية مسجلة، يواجهها العالم أجمع، فإن المملكة العربية السعودية ليست بمنأى، ولا بمعزل عن ذلك كله، بل لا اتجاوز الواقع الملموس، والحقيقة المشاهدة أن السعودية تواجه مخاطر جوية متنوعة، تتمثل ببرودة قارصة وجافة خلال هبوب الكتل الهوائية الباردة، وربما الثلجية وذلك خلال فصل الشتاء وليس آخرها عاصفة هدى الثلجية الماضية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ارتفاع درجة الحرارة بشكل متطرف خلال فصل الصيف، وكل هذا يهون وفي التعايش معه قد يكون، بيد أننا نواجه ونكابد أخطر، وأشد، وأسوء مظهر جوي تواجهه السعودية وبشكل متكرر ألا وهو: العواصف الغبارية العنيفة، والشديدة، والكثيفة، والمظلمة، وواسعة الانتشار جغرافياً.
صورة فضائة لعاصفة مظلمة في 3 أبريل 2015
:. العواصف الغبارية وما أدراك ما العواصف الغبارية؟ ففي العقدين الآخرين لم يسلم منها أحد في أي منطقة من مناطق المملكة!! ولم تدع بيت مدر ولا وبر إلا وعفسته بغبارها، حتى المسافر خارج المملكة فحقه من الغبار المترسب محفوظ في منزله، وفي سيارته، وفي مكتبه، وفي استراحته، وفي مزرعته عندما يعود من الخارج يجده ولو بعد حين جراء العاصفة الغبارية، وقد لا تخلو رئة سعودية إلا وبها ذرات غبارية جراء أجواء مفعمة بالجفاف ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
:. إن العواصف الغبارية باتت أكثر تكراراً، وأشد عنفاً، وأوسع مجالاً، وأكبر حجماً، وأعظم كثافة مما كانت عليه في العقود الماضية، والشواهد الرقمية الجوية ماثلة شاهدة على ما أقول.
آثار عاصفة مُظلمة الغبارية داخل المنازل.
:. أيها السعوديون أزعم أن ذاكرتكم تُسعفكم للرجوع إلى الوراء بضعة أيام فقط، لنتأمل، ونتفكر، ونتدبر كيف ضربت عاصفة مُظلمة الغبارية منطقتنا في يوم الأربعاء الأول من شهر أبريل 2015م، إنه يوم معلوم، وزمن مشهود، وحالة جوية مسجلة ومرقمة، وآثارها مصورة، ومخلفاتها السلبية ظاهرة ماثلة لا تخطئها العين، فاسألوا ـ إن شئتم ـ عن الآلاف الذين عِلقوا بضع ساعات في الطرق البرية، وآلاف المسافرين العالقين لأكثر من 24 ساعة في المطارات السعودية، وبعض المطارات الخليجية، واسألوا عن عشرات الآلاف من المصابين بأمراض صدرية، وعن أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة لم يذهبوا لمدارسهم ليوم وبعضهم ليومين، وخسائر مادية وتجارية ومائية، وإلغاء مناسبات عائلية، واجتماعية، وعلمية، وربكة جماعية لم تشهد لها المملكة مثيلاً منذ أكثر من عقد من الزمن.
صورة للربكة في مطار الملك خالد بالرياض استمرت لأكثر من 24 ساعة بسبب العاصفة الرملية مظلمة.
صورة للربكة في مطار الملك خالد بالرياض استمرت لأكثر من 24 ساعة بسبب العاصفة الرملية مظلمة.
:. بل واستمرت تلك الكارثة العاصفة من مُخلفات عاصفة مظلمة لأكثر من سبعة أيام حائرة، وجاثمة فوق أجواء الربع الجنوبي الغربي من المملكة، بل وارتدت للوسطى والغربية لأكثر من مرة، تمطر الناس بالغبار والأمراض، وهي في الوقت نفسه لم تكن مُفاجأة للمتابعين بأحوال الطقس والدراسات المناخية، ولكن ثقافتنا اتجاه إدارة الأزمات والاستعداد لها أبت إلا أن نقف متفرجين أمام تحذيرات أطلقها المهتمون والمتخصصون بعلم المناخ عبر تويتر قبل الحادثة بعدة أيام، ولم تلق صدىً يُذكر، واستجابة سريعة لدى الجهات المعنية.
صورة فضائية توضح الساعات الأولى لعاصفة مظلمة 1 أبريل 2015م
:. وعليه أُناشد خادم الحرمين الشرفين حفظه الله، بالموافقة على مقترح إنشاء "مركز الإنذار المبكر للمخاطر البيئية". وأرى أنه من أبرز ثمرات المركز المقترح والتي سيجنيها الفرد والمجتمع كما الدولة على حد سواء ما يلي:
:. مركز الإنذار المبكر للمخاطر البيئية المقترح يُعنى بإصدار إنذار مبكر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أولاً، ورسائل الجوال ثانياً، ووسائل الإعلام التقليدية ثالثاً، وذلك تحذيراً وتنبيهاً من التقلبات الجوية العنيفة من غبار أو أمطار أو برد أو حر ونحوها، وسيجعل المركز المقترح تعليق الدراسة يُحدد رقمياً وليس بشرياً، وفق أجهزة رقمية ميدانية مزروعة في طول وعرض السعودية اعتماداً على آلية يفهمها المختصون بالجغرافيا المناخية، وهي في الوقت نفسه غير خاضعة لمزاج أحد أو تقدير جهة، كما سيحدد المركز المقترح مدى حاجة الدوائر الحكومية هي أيضاً لتعليق الدوام من عدمه بسبب كثافة العواصف الغبارية، كما سُينهى المركز ـ وبشكل كبير ـ مشهد تكدس عشرات الآلاف من المسافرين في مطارات السعودية، وسيُخلي الطرق البرية من المسافرين قبل وصول العاصفة الغبارية بالتنسيق مع أمن الطرق لتفادي انحباسهم لساعات في الصحراء المظلمة والمخيفة بأغشيتها الرملية.
:. هذا من جهة، ومن جهة أخرى سيحدد المركز المقترح مدى الحاجة إلى الصلاة في البيوت، أو الجمع بسبب كثافة العواصف الغبارية في وقت مبكر، وسيحدد المركز أيضاً متى تُقفل المحلات، والأسواق، وكافة الأنشطة التجارية بسبب التقلبات الجوية العنيفة والتي يرصدها المركز في وقت مبكر عبر أجهزته الأرضية العصرية، وصور الأقمار الصناعية، وسيحدد أيضاً متى يجب أن يتوقف العمال عن العمل بسبب شدة وكثافة العواصف الغبارية، وسيعلن مركز الإنذار المبكر حالة الطوارئ في المستشفيات قبل العواصف الغبارية بعدة ساعات وربما أيام، كما سيحدد مدى الحاجة إلى إغلاق الموانئ البحرية بسبب العواصف الغبارية أو التقلبات الجوية المتطرفة، وسيوجه كل القنوات التلفزيونية السعودية لعرض ونشر الشريط التحذيري الأحمر من قِبل المركز بشأن التحذيرات المسبقة، والآنية الرقمية عن العواصف الغبارية، وسيحدد مدى إمكانية قيام أو إلغاء مناسبات خارجية، أو مباريات رياضية بسبب سوء الأحوال الجوية.
:. ليس هذا فحسب بل إن مركز الإنذار المبكر للمخاطر البيئة المقترح سيبتكر نغمة صوتية مميزة تصل لكل الجوالات في النطاق الجغرافي للعاصفة الغبارية فقط، كما تُبث النغمة تلك في الإذاعات والقنوات السعودية لتحذر من قدوم العاصفة الغبارية.
:. كما يمتلك المركز المقترح غرفة عمليات، واستديو في الوقت نفسه لنقل أهم أخبار التقلبات الجوية، والتحذيرات الآنية ساعة بساعة بالصور، والأرقام، والأشكال عبر المختصين بالطقس، والمناخ، وممثلين من الجهات المعنية كالمرور، والدفاع المدني، وأمن الطرق، وخفر السواحل، والخطوط الجوية، ووزارتي الصحة والتعليم ..الخ.
:. هذا ما عنّ في خاطري، وجال في ذهني وأنا أرى العواصف الغبارية تترى في أجواء المنطقة شديدة الجفاف، جعلت الناس في حيص بيص، شذر مذر لا يدرون أين يولون وجوههم؟ ومن أين يستقون الخبر؟ والتحذير؟ والتوجيه؟ حتى باتوا في حيرة من أمرهم لا يدرون لأي مصدر إعلامي يسمعون ويصدقون؟ ولأي جهة حكومية يأتمرون في مثل هذه الظروف الجوية الصعبة؟ ... هذا والله من وراء القصد.
*******
رابط المقال في صحيفة الجزيرة....
*عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون
1436-06-29هـ
2015-04-30م
www.almisnid.com
almisnid@yahoo.com
|