تقديم الدوام في فصل (الصيف) من الساعة السادسة صباحاً حتى الساعة 12م؟
عرض المشكلة ... وطرح الحل.
أ.د. عبدالله المسند*
حديث الناس كل الناس في مثل هذه الأيام عن شدة الحر، وآثاره السلبية على الإنسان، والحيوان، والنبات، بل وحتى على الممتلكات، في ظل تزايد مطرد في درجة الحرارة في فصل الصيف خلال العقود الأخيرة بصورة غير مسبوقة، حتى بات خبر وصول درجة الحرارة بحر الخمسينات أمراً مسموعاً، وأخشى أن يكون مألوفاً في ظل الارتفاع المتزايد والمتكرر في درجة الحرارة خاصة في منطقتنا، وتجدر الإشارة إلى أن حوض الخليج العربي يُسجل أعلى درجات حرارة في العالم قاطبة وذلك في فصل الصيف، مما أعيا الناس، وأنهكهم في حياتهم، وفي مزارعهم، وفي مواشيهم، وفي ممتلكاتهم، بل وحتى في فواتيرهم.
وعليه وفي ظل أجواء مشمسة وملتهبة طوال فصل الصيف، فلذلك أقترح أن نتفاعل ونتعايش مع الاحترار العالمي وتغير المناخ، والتي يصعب إيقافها وحلها، ولكن يسهل علينا التخفيف من مظاهرها، والتكيف مع سلوكها المتطرف عبر التعايش.
ولأن فصل الصيف يمتد في السعودية نحو خمسة أشهر وهي (مايو، يونيو، يوليو، أغسطس، سبتمبر) منها أقترح أن يبدأ الدوام الرسمي من الساعة السادسة صباحاً، حتى الساعة الثانية عشر منتصف النهار وذلك في فصل الصيف، أو خلال إجازة المدارس الصيفية.
ولعل مستعجلاً أن يعترض!! بحجة أن لدينا سلوكاً اجتماعياً يصعب تغييره، وهو السهر المفرط الذي اعتدنا عليه، والذي قد لا يتيح نجاح التجربة، فأقول: إن الإنسان سريع التأقلم مع الظروف ومع الأنظمة الحازمة، فعندما تُقر هذه الفكرة سيخلد الموظف إلى النوم مبكراً، ولنا في سلوكنا في رمضان وقدرة تغيير ساعتنا البيولوجية دليل وحجة، ولنا في فترة الحظر إبان جائحة كورونا برهان أيضاً، فانظر كيف استطعنا التأقلم مع ظروف استثنائية صعبة في شتى مجالات الحياة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها وعادة الشعوب المنتجة أن تخلد إلى النوم مبكراً فالألمان عند الساعة 10:00م، والفرنسيون 10:30م، والإيطاليون 11:00م على وجه العموم.
ودعنى أعدد لكم إيجابيات العمل من الساعة السادسة صباحاً إلى الثانية عشر منتصف النهار:
- تحقيق ما ورد في الحديث الشريف "بُورِك لأمتي في بُكُورها".
- العمل بُعيد صلاة الفجر يتماشى مع فطرة الإنسان، وهو ديدنه منذ فجر التاريخ.
- الاستفادة من اعتدال الأجواء أول النهار قدر الإمكان، وهذا هدف رئيس في هذه المسألة.
- الاستفادة من انتعاش الصباح إذا تنفس، وسنجد ذلك منعكساً على نفسية الموظف وأدائه من جهة، والمراجع من جهة أخرى.
- استغلال الفترة المثالية لدرجة حرارة المباني، فأبرد ما تكون درجة حرارة داخل الأبنية ما بين الساعة 5-7 صباحاً.
- الحد من ارتفاع الفواتير والتخفيف على شركات الطاقة الكهربائية.
- الحد من تأثير درجة الحرارة على السيارات في مواقف الدوائر الحكومية والتي معظمها غير مظلل.
- عدم وجود فاصل يقطع الدوام كصلاة الظهر، والتي تُستغل أحياناً لتمضية الوقت قبل الصلاة وبعدها، فيخلو مكتب الموظف لأكثر من 45 دقيقة أحياناً بحجة الصلاة.
- في الوضع الحالي فإن فترة ما بعد صلاة الظهر تعتبر شبه ميتة، وبعض الموظفين يخرجون إلى الصلاة ولا يعودون، وإن عادوا فمن أجل البصمة، فلا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى.
- العودة إلى المنزل قبل ارتفاع درجة الحرارة للحد الأعلى.
- تناول الغداء في وقته الطبيعي، وزمنه الصحي المعتدل.
- توفير وقت كاف لنوم القيلولة، والتي تعتبر مهمة في المناخات الحارة من جهة، وفي النهار الصيفي الطويل من جهة أخرى.
- أقترح أن يُؤخر أذان العصر قليلاً كنصف ساعة مثلاً لعلة مقنعة، وليتكامل مع المقترح (على غرار تأخير صلاة الظهر عن أول وقتها تحقيقاً لسنة الإبراد، وأيضاً على غرار تأخير أذان العشاء عند تقويم أم القرى نحو نصف ساعة في رمضان من أجل تحقيق مصالح كثيرة، وفي المقابل لم يفت بسببها منفعة، ولم يرتكب محظور ومعصية) وذلك لإتاحة الفرصة لمن كان عمله بعيداً عن المنزل أن يتناول الغداء، ويأخذ حقه من القيلولة في وقتها، علاوة على ذلك أن تأخير وقت صلاة العصر قليلاً سيتيح لدرجة الحرارة مزيداً من الانكسار، إضافة إلى أن فترة العصر في الصيف تصل إلى نحو 3 ساعات. (ملاحظة: قد ينزعج البعض من تأخير أذان العصر قليلاً!! فأقول له أيهما أفضل هذا المقترح أو الخروج قُبيل العصر، ثم تناول الغداء، فيعقبها قيلولة تُفوت معها صلاة العصر كما الوضع الحالي .. واسأل المساجد).
- بعد أداء صلاة العصر يبدأ النصف الثاني من اليوم، بذهن صافٍ، وجسم نشيط، ومزاج رائق بقية المساء، في حين أن المعتاد في الوضع الحالي نوم الموظف وقيامه عند غروب الشمس أو بعدها .. وهنا لا تسأل عن المزاج.
- علاوة على ما مضى بعض الموظفين يعملون في الفترة المسائية في تجارتهم الخاصة، أو لديهم مصالحهم وأشغالهم الخاصة، وعليه فالتقسيم المقترح يتيح وقتاً كافياً، وذهناً صافياً، ومزاجاً رايقاً للعمل في الفترة المسائية المبكرة.
- من جهة أخرى المراجع للدائرة الحكومية سيجد الموظف في الصباح الباكر مهيأ نفسياً لاستقباله أكثر من وقت الظهيرة وقت القيلولة والخمول.
- إن لم نقم الآن بالتكيف والتعايش مع الاحترار العالمي وتغير المناخ عبر تقديم الدوام صيفاً، فقد نضطر قسراً في المستقبل القريب على التغيير.
- ووفقاً لدراسة علمية بيّنت أن الذين يستيقظون قبل 06:00ص، يتمتعون بصحة جيدة، وهم أكثر سعادة من الذين لا يستيقظون قبل 06:00ص.
- ودراسة نفسية أخرى كشفت أن الذين يخلدون إلى النوم مبكراً، ويستيقظون عند 06:00ص أو قبلها يقل عندهم خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 25%.
- ودراسة ثالثة أوضحت أن الذين يستيقظون مبكراً، يكونون أكثر إنتاجية في العمل، وعندهم قدرة أكبر في التركيز على أهدافهم المستقبلية.
وكثير من العلماء المبرزين، والتجار المثابرين، ورؤساء الشركات التنفيذيين الناجحين يستقيظون قبل الساعة 06:00ص، وبعضهم 04:30ص، حتى يتسنى لهم أن يستغلوا أفضل الأوقات لصفاء الذهن والتفكير، والمدير العام التنفيذي لشركة بيبسي والمدير العام التنفيذي لشركة آبل يستيقظان قرابة الساعة 04:30ص، والرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك والمؤسس المشارك لشركة تويتر يستيقظان في 5:30ص، بينما المدير العام التنفيذي لمجموعة فودافون يستيقظ عند الساعة 06:00ص ... والقائمة تتسع وتطول، وأختم بمثل ألماني يقول: "من يريد اصطياد الثعلب فعليه أن يستيقظ مع الدجاج"، .. هذا ولا يمنع إخضاع مدينة واحدة للتجربة ومن ثَم مراقبة النتائج .. وأضع الفكرة بين يدي أعضاء مجلس الشورى الموقر .. هذا والله أعلم.
*الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون
25-07-2020م
www.almisnid.com
almisnid@yahoo.com
|