• 1253 قراءة


  • 0 تعليق

هل التغير المناخي خلف حرائق الغابات في العالم؟

أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

وما حقيقة إعصار النار المخيف؟

 

 

لم تكن حرائق الغابات وليدة العصر أو جديدة العهد، بل إن الله تعالى قدرها عبر عوامل طبيعية كالصواعق من قبل أن يستوطن الإنسان كوكب الأرض، بل ربما أن الإنسان في القديم قد اهتدى إلى النار وعرفها فاستعملها من خلال حرائق الغابات، وتشير الإحصاءات العلمية أن 85% من حرائق الغابات في العالم ناتجة عن عمل بشري، عن طريق الخطأ كترك النار بعد الطبخ، أو حرق مخلفات، أو أعقاب سجائر ونحوها، وأحياناً تكون الحرائق متعمدة، و 15% بسبب عوامل طبيعية ومن أهمها ضربات الصواعق.

 

تغير المناخ وحرائق الغابات

تعتبر الغابات مستودعاً عظيماً لخزن عنصر الكربون، وعندما تحترق تطلق كميات عظيمة من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي ومن أهمها ‏ثاني أكسيد الكربون، مما يضاعف حجمه في الغلاف الجوي، ومن ثَم يتسبب في زيادة الاحترار في كوكب الأرض، حيث يقوم بحبس الأشعة ‏الحرارية أن تخرج خارج الغلاف الجوي، وريثما تعود أشجار الغابة المحترقة لوضعها السابق للمساعدة في تنظيف وتنقية ‏الأجواء من الكربون فهذا يستغرق وقتًا طويلاً.‏

وعلاقة الاحترار العالمي بتفشي ظاهرة احتراق الغابات مسألة ظاهرة خاصة هذا العام 2021، سيما وأن شهر يوليو 2021 سجل ‏أشد الشهور حرارة منذ أن بدأت السجلات المناخية قبل نحو 141 عاماً، وعندما ترتفع درجات الحرارة ويطول موسم الصيف والجفاف ‏وتشح الأمطار، تجف الأعشاب والشجيرات مما يشكل وقوداً سهلاً لأي شرارة طبيعية أوبشرية، وعليه يمكن القول إن الاحترار العالمي سبب غير مباشر لبعض حرائق ‏الغابات. ‏

 

 

والسؤال المطروح هنا هل لحرائق الغابات منافع؟

في الواقع أن الخالق الخبير ـ عز وجل ـ قدر أن تحترق الغابات طبيعياً قبل مجيء الإنسان عبر عوامل طبيعية مثل الصواعق ‏وغيرها، وهذا الاحتراق الدوري عملية صحية حيوية تحتاجها الغابات بين الحين والآخر عبر دورة طبيعية؛ لتجديد نشاطها، وإعادة ‏حيويتها، ولتزيل بعض النباتات الضعيفة والمتنافسة على أرض الغابة، ولتنظيفها من المواد العضوية الميتة (الهشيم) والتي قد تخنق نمو النباتات الصغيرة والجديدة، ولحرق بعض الحشرات ‏التي تتغذى على الأشجار، ولتخصيب التربة، وللسماح لأشعة الشمس بأن تنفذ إلى سطح الأرض فتعطي الأشجار صحة أكثر وأقوى، ‏بل إن شجرة الصنوبر ومن أجل أن تتحرر بذورها من قمقمها تتطلب هذه العملية إلى نار تحرقها، وكما أن الإنسان والحيوان يتبدل جلده طبيعياً ‏خلال فترة زمنية معينة، فالغابة لها السنن نفسها لأن الخالق واحد، "فربما صحت الأجسام بالعلل".

وتجدر الإشارة إلى أن بعض إدارات الغابات تتعمد حرق الغابة لتحقيق أهداف منها عدم تراكم المواد العضوية الميتة ومن ثم تقطع الطريق على  حصول حريق ضخم، والحريق أحياناً يكون مطلباً للغابة كما الشمس والمطر، ولولا الحرائق لأصبحت الغابات مع الوقت كومة أخشاب ميتة، يتخللها أشجار تحاول أن تجد لها متنفساً، لذا تعتبر حرائق الغابات محفزاً لتعزيز التنوع البيولوجي والنظم البيئية الصحية.

من جهة أخرى كانت أشجار الغابات قبل بضعة عقود أقل مما هي عليه الآن، ولكن كانت أطول، وأكبر، وأكثر صحة من أشجار الغابات ‏الحالية المتزاحمة والضعيفة مقارنة بأشجار قديمة، من هنا قدر الله تعالى أن تتخلص الأرض عبر الحرائق من جيل شجري قديم وهزيل ‏ومتنافس، إلى جيل جديد وقوي .. وهذا لا يعني بالضرورة أن الحرائق السائدة حالياً في العالم صحية بل أضرارها أكثر من منافعها، سيما أن معظم أسبابها بشري. ‏

 

إعصار النار

وعندما تشتعل الغابات بشكل واسع وكبير ترتفع درجة الحرارة بشكل عظيم، فلك أن تتخيل أن درجة الحرارة قد تصل أحياناً إلى نحو 1000 درجة مئوية، وهذه الكتلة الهوائية الحارة فيزيائياً ترتفع إلى أعلى نظراً لقلة كثافتها بسبب حرارتها، فتصنع بؤرة أو مركزاَ لمنخفض جوي يجثم فوق منطقة الحريق فتتشكل منطقة تخلخل هوائي، وهذا يجعل الهواء القريب من الحريق يتحرك بسرعة ناحية مركز المنخفض لتعزيز كمية الهواء، أو قل لتعويض الهواء الصاعد إلى أعلى بهواء جديد قادم من الجوار، من هنا تنشط الرياح السطحية تلقائياً الأمر الذي يعزز من قوة وانتشار الحريق في الغابة بشكل سريع، وأحياناً نرى أعمدة من النيران أو إعصاراً من نار، وهو المشهد المرئي لبؤرة المنخفض الجوي العميق يقوم برفع الهواء الحار إلى طبقات الجو العليا، ويشاهد معه أحياناً لهبة من النيران، تسمى بالإعصار الناري Fire Tornado أو‏ firenado أو fire whirl.

ولعل القرآن الكريم وقبل 1400 سنة هو أول من تطرق لتلك الظاهرة الفيزيائية النارية الهوائية وهي غير معروفة عند العرب، وقد ذكر الله تعالى هذا المشهد في القرآن الكريم حيث قال: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) ولأن أرض العرب لا يوجد فيها غابات كثيفة فلم يشاهد المفسرون فضلاً عن غيرهم هذا المشهد الناري على الطبيعة، لدرجة أن بعضهم فسر النار بالسموم!! حيث عجز خياله عن تصور المشهد العجيب باجتماع النار مع الإعصار!؟ ولله في خلقه شؤون.

والإعصار الناري نادر الحدوث، فإن حدث فعمره قصير جداً، ويدور حول نفسه عكس اتجاه عقارب الساعة في النصف الشمالي للكرة الأرضية، والعكس صحيح في نصف الكرة الجنوبي، وغالباً لا يزيد قطره عن بضعة أمتار، وارتفاعه قد يبلغ من بضعة أمتار إلى نحو 60م، وفي ظروف خاصة قد يبلغ 300م كما في حريق عام 2018 في كالفورنيا، وبسرعة دورانية بلغت نحو 265كم في الساعة، وبلغت درجة الحرارة نحو 1480 درجة مئوية!! .. هذا والله أعلم.

 

أ.د. عبدالله المسند

أستاذ المناخ في جامعة القصيم (سابقاً)

أغسطس 2021

@almisnid www.almisnid.com

  •   
التعليقات
جميع الحقوق محفوظة 2021
جميع التعليقات والردود المطروحة لا تمثل رأي موقع
الدكتور عبد الله المسند ، بل تعبر عن رأي كاتبها
المتصفحون الان: 28
أنت الزائر رقم 1,334