• 309 قراءة


  • 0 تعليق

7 أسئلة مُلحة حول حالة تروية المطرية يوليو 2021

هل هناك علاقة بين جفاف الموسم المطري الماضي وحالة تروية المطرية الصيفية المميزة؟

أحسب ألا علاقة ارتباطية بين الوضع المناخي قبل نحو ثلاثة أشهر وحالة تروية الحالية، إذ إن الظروف المناخية التي نتج عنها ضعف أو تخلف حالة المراويح والسرايات في فصل الربيع الماضي، تختلف عن الظروف المناخية الصيفية الحالية، من حيث مراكز الضغط السطحية والعلوية، ومن ثم اتجاهات الرياح السطحية والعلوية، وكذلك مواضع الكتل الهوائية.

 

هل الأجواء المطرية الصيفية الحالية لها مؤشر إيجابي أو سلبي على موسم الأمطار القادم والذي يبدأ في منتصف أكتوبر؟

أعتقد ـ والله أعلم ـ أنه لا توجد علاقة ارتباط بينهما، ولوكان هناك ارتباط سببي لاستطعنا الكشف والتنبؤ عن الموسم القادم كيف هو؟

عبر استقراء الموسم الصيفي الحالي.

 

هل هناك علاقة بين حالة تروية المطرية الصيفية الحالية وأجواء الشتاء القادم من برد أو حر؟

نفس الجواب السابق، من وجهة نظري لا توجد علاقة سببية.

 

هل سبق أن أثرت حالة مطرية صيفية بمثل حالة تروية الصيفية المميزة باتساع رقعتها الجغرافية، وطول فترتها الزمنية؟

موسم الأمطار في السعودية يبدأ عادة من منتصف شهر أكتوبر حتى نهاية شهر مايو، ومن ثم يبدأ فصل الجفاف الطويل من شهر يونيو حتى منتصف شهر أكتوبر، فعادة لا تتشكل الحالات المطرية في هذه الفترة، إلا في نطاق المرتفعات الجنوبية الغربية الممتدة من شرق جازن مروراً بعسير والباحة ومرتفعات الطائف، وأحياناً قد تمتد بعض الحالات النشطة والقوية لتبلغ بعض أجزاء من منطقتي مكة والمدينة، وأجزاء من الربع الخالي وهي مناطق داخلة إلى حد ما في نطاق تأثير الرياح الموسمية النشطة، أما بقية المناطق فتعيش عادة في جفاف مطبق وحر شديد.

 

ونادراً ما تمتد الكتل الهوائية الرطبة المجلوبة عبر الرياح الموسمية، والتي تهب من المحيط الهندي وبحر العرب لتتجه ناحية الشمال باتجاه أرض العرب فتتوغل في أرض عمان واليمن فالربع الخالي، وقد تبلغ جنوب منطقة الرياض حتى تتشكل السحب ومن ثم تهطل الأمطار المتفرقة في ظرف يوم أو يومين، فهذا يحصل بين فترات متباعدة نوعاً ما، عبر امتداد الجبهة الشبه مدارية (ITCZ) الرطبة.

 

ولكن أن تندفع الرياح الموسمية الرطبة فتدفع معها الكتل الهوائية المفعمة بالرطوبة حتى تجثم فوق الربع الخالي لبضعة أيام ممطرة، وتمتد ناحية منطقة الرياض ليهطل منها في الأفلاج أمطار غزيرة لعدة أيام، بل تبلغ الحالة الرطبة الممطرة الرياض وسدير والقصيم، بل بلغت شمال الصمان فتهطل منها الأمطار المتفرقة والمتكررة، فهذا مشهد مناخي نادر الحدوث جداً.

 

هل نستطيع القول إن ما يحدث في حالة تروية المطرية هو مظهر من مظاهر الاحترار العالمي الذي أدى إلى التغير المناخي؟

من الصعوبة بمكان إرجاع ما حدث إلى مسألة الاحترار العالمي وقضية التغير المناخي، حيث توحي السجلات المناخية التاريخية أن هذه الحالات المطرية الصيفية النادرة، قد حدثت وتكررت على فترات زمنية متباعدة قبل أن يحصل التغير المناخي العالمي خلال العقود السبعة الماضية.

 

وعلى سبيل المثال لا الحصر: وفي 13 يوليو 1809م هطلت أمطار غزيرة على الأفلاج والخرج، والمحمل، وفي 3 يوليو 1818م هطلت أمطار غزيرة على معظم نجد، وفي 25 يوليو 1973 هطلت أمطار غزيرة على منطقة الوشم،

، وفي وادي الدواسر في 7 سبتمبر 1986 هطلت أمطار بلغت نحو 27ملم، وفي نجران في 13 يوليو 1988 هطلت أمطار بلغت نحو ‏11ملم، وفي وادي الدواسر في 10 أغسطس 1992 هطلت أمطار بلغت نحو 22ملم، وفي تبوك في 14 أغسطس 1992 هطلت أمطار بلغت نحو 11ملم، وفي الرياض في 28 أغسطس من عام 1998 هطلت أمطار بلغت نحو 6ملم، وفي شرورة في 31 يوليو 2001 هطلت أمطار بلغت نحو 20ملم، وفي شرورة في 2 سبتمبر 2002 هطلت أمطار بلغت نحو 32ملم، وفي شرورة في 6 أغسطس 2003 هطلت أمطار بلغت نحو 40ملم، وفي نجران في 7 أغسطس 2003 هطلت أمطار بلغت نحو 64ملم.‏

 

يدندن بعض الناس حول عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً، هل العودة ستكون بهذا الشكل المناخي؟

نحن نؤمن أن جزيرة العرب ستعود كما كانت قبل نحو 7000 سنة مروجاً وأنهاراً وبحيرات وحشائش وغابات، ولكن لا نعلم على وجه الدقة من أي بوابة ستكون العودة؟ ووفقاً لأي سيناريو مناخي؟ ومتى؟ ولقد شرحت حديث مسلم (لا تقوم الساعة .. حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً) عام 1429 في 6 حلقات .. ولم أنته منها بعد، راجع البحث عبر الرابط:

http://almisnid.com/almisnid/articles.php?id=1

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى المشاهد التي رآها الناس في حالة تروية المطرية خاصة في الربع الخالي، وفي أجزاء من الوسطى والشرقية، هي عبارة عن صورة ومشهد لما كانت عليه أرض العرب في آخر عصر الهولوسين، عندما كانت الرياح الموسمية الجنوبية الرطبة نشطة وتبلغ أواسط أرض العرب فتجلب ـ بإذن الله ـ الأمطار في فصل الصيف، بل إن آثار البحيرات العذبة في خبب الربع الخالي، والنفود الكبير شاهدة على فترة رطبة ومطيرة وخصبة مرت بها جزيرة العرب فملأت منها التكوينات الجوفية عن بكرة أبيها حتى تشكلت البحيرات العذبة (آخرها جفافاً بحيرة ليلى بالأفلاج)، وفاضت الينابيع منها فساحت جداول وأنهاراً دائمة ومتقطعة، والأنظمة النهرية القديمة كوادي الرمة ووادي الدواسر وغيرهما شاهد ماثل على تلك الأزمنة المطيرة، فضلاً عن النباتات المتحجرة، والحيوانات العاشبة والمفترسة المنقوشة على الصخور، أو المطمورة، وأشار لتك الحقبة التاريخية الموغلة بالقدم المصطفى عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة .. حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)، حيث كانت مراكز الضغط الجوي آنذاك مختلفة عن الوقت الحالي، حيث كانت الرياح الشمالية الحارة والجافة (التجارية) ضعيفة، لصالح قوة الرياح الجنوبية الرطبة (الموسمية).

 

منذ متى كانت أرض العرب جافة؟

المناخ الجاف المسيطر على أرض العرب ليس وليد العصر الحديث بل هو قديم جداً نسبة لعمر الإنسان وفي الوقت نفسه حديث جداً نسبة لعمر الأرض. ومن خلال استقراء أدبيات العرب وتاريخهم القديم قبل 1400 سنة، نجد أن الظروف المناخية السائدة آنذاك لا تختلف كثيراً عن الحاضر، فلقد قرأنا كثيراً عن تلكم المصطلحات: قحط، دهر، سنة، جوع، جفاف، استسقاء، بئر، مورد ماء، عام الرمادة، فقر، حر شديد ... الخ والتي تعكس بالضرورة الظروف المناخية السائدة والجافة آنذاك. بالمقابل لم ترد في تاريخ العرب هذه المصطلحات: بحيرة، نهر، شلال، ثلج، جليد، غابة... الخ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ومن خلال الاستقراء العلمي التاريخي الطبيعي للجزيرة العربية يوحي كذلك أن الظروف المناخية قبل 1400 سنة لم تكن تختلف كثيراً عن اليوم.

 

 وعندما نتوغل أكثر في تاريخ الجزيرة العربية المناخي لا نجد أيضاً إشارة إلى أن الأمم السابقة من العرب العاربة والمستعربة أو حتى العرب البائدة يتقلبون في أجواء رطبة غنية بأمطارها وأنهارها وأشجارها وأزهارها كحال القارة الأوروبية اليوم على سبيل المثال. والاستقراء التاريخي يشير ويثبت أنه قبل 3500 سنة تقريباً لم تكن الظروف المناخية في أرض العرب مروجاً وأنهاراً بل صحراءً وجفافاً وآباراً متواضعة يزدحمون عليها قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.  وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}.

 

وعندما نتوغل أكثر في القدم ـ على الأقل في غرب الجزيرة العربية ـ نجد الظروف المناخية السائدة كما وصفها إبراهيم عليه السلام {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} هذا في مكة المكرمة، وفي أرض مدين قبل حوالي 4000 سنة قسم نبي الله صالح عليه السلام الماء {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}. وفي الأحقاف جنوب الجزيرة العربية قوم عاد كانوا يتطلعون إلى المطر والغيث لحاجتهم إليه قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}، وقال عز وجل: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}، والأَحْقافُ: "رمال بظاهر بلاد اليمن كانت عاد تنزل بها والحِقْفُ أَصْلُ الرَّمْلِ" (لسان العرب)، وهذا يعكس جلياً واقع الظروف المناخية الجافة والصحراوية في أرض العرب قبل 4500 سنة على الأقل والله أعلم.

 

أ.د. عبدالله المسند

يوليو 2021

  •   
التعليقات
جميع الحقوق محفوظة 2021
جميع التعليقات والردود المطروحة لا تمثل رأي موقع
الدكتور عبد الله المسند ، بل تعبر عن رأي كاتبها
المتصفحون الان: 6
أنت الزائر رقم 408