• 230 قراءة


  • 0 تعليق

قضية المناخ في قمة العشرين بالرياض

قضية الاحتباس الحراري الذي أدى إلى تغير المناخ على كوكب الأرض قضية كونية أممية وهي ليست بالقضية السهلة، وقد توصل العالم إلى قناعة أن المناخ فعلاً قد تغير، وهذا التغير والتحول بسبب الإنسان وأنشطته الحضرية المدنية؛ فأزعم أن هذاه القناعة ـ بحد ذاتها ـ مكسب ‏وخطوة إيجابية للأمام.‏

 

والهدف من المؤتمرات والاجتماعات المتتالية لمناقشة التغير المناخي هو السعي إلى الحد من ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض عبر تخفيض كميات الانبعاثات من غازات الدفيئة، مثل ثاني ‏أكسيد الكربون، والميثان وغيرهما،  فإن أفلحوا في ذلك فإنها خطوة صغيرة في مسيرة المفاوضات، ولكنها كبيرة في مسيرة الحضارات. ‏

حقيقة ما زلت متفائلاً بحذر، بنتائج قمم المناخ الدورية، وقمة مجموعة العشرين 2020 القادمة في الرياض سبقتها قمم وسيعقبها قمم "والمسرحية لم تكتمل فصولاً" ، لأن البشر من الصعب أن يتفقوا جميعاً وهم مذاهب ومشارب، وكون قمة الـ 20 وصلت إلى هذه المرحلة من التفاهم ‏النسبي بين الأمم الكبرى، وإعلاء قضية المناخ إعلامياً عالمياً، فإن القرارات العملية سواء في تخفيض الانبعاثات، أو بالتمويل والتعويض للدول المتضررة، قد تحتاج إلى وقت ‏ومزيد من المفاوضات والمناورات والتنازلات أيضاً.‏

 

وتعد الصين من أكثر دول العالم تلويثاً للغلاف الجوي، ووفقاً للدراسات، يليها الولايات المتحدة الأميركية، ثم روسيا، يليها الهند، وخامسها اليابان، ومن ‏هذه القيم المزعجة يتضح أن للعالم قطبان ملوثان الصين والولايات المتحدة الأميركية.‏

 

والطبيعة ليست مزاجية الاختيار فالكل واقع تحت طائل العواقب الوخيمة جراء التغير المناخي المتصاعد بما فيها الصين والهند والولايات المتحدة الأميركية، ومعظم ‏الدراسات المستقلة تشير إلى ارتفاع في درجة الحرارة جراء ارتفاع نسبة غازات الدفيئة بالجو والتي تؤدي إلى الاحتباس الحراري المتراكم والذي سينجم عنه ارتفاع درجة ‏الحرارة وذوبان المجلدات، فارتفاع منسوب سطح البحر ومن ثم غرق بعض الشواطئ والمدن الساحلية المنخفضة، ومنها التأثير على حدود المحاصيل المناخية ‏الجغرافية، وتفاقم أزمة المياه في المناطق الصحراوية، وازدياد عنف العناصر المناخية وأمور قد لا يدركها الإنسان فقد {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ‏النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.‏

 

وأزعم أن درجة الحرارة العالمية ستواصل زحفها البطيء إلى القمة، والمجلدات في القطبين ستواصل انصهارها التدريجي، ومستوى البحار والمحيطات سيواصل ارتفاعه ‏التدريجي، وحالات الطقس العنيفة وغير المعهودة ستواصل كسر السجلات المناخية التاريخية ... وسوف يعاني العالم من التغيرات المناخية بشكل متفاوت، وسوف ‏يكون لها ـ والله أعلم ـ قتلى وجرحى في السنين القادمة، حتى يصل إلى مستوى من الخطورة يدفع وبالقوة الساسة والرأي العام إلى اتخاذ إجراءات عملية عاجلة، وسوف تكون مكلفة ‏وباهظة التكاليف ... فلربما فاتورة تكاليف تخفيض نسبة الغازات الدفيئة الآن أرخص وأقل تكلفة منها بعد عقد أو عقدين وبشكل قد يصل إلى 500% والله أعلم.‏

 

أحسب أن مسألة التغير المناخي موضوع علمي عالمي جدلي، ولن يصل العالم في الوقت القريب إلى اتفاق شامل وكامل في شأنه، سيما أن التغيرات المناخية بطيئة نسبياً، ‏لذا فقد يصل العالم إلى رؤية واضحة وجلية، وربما اتفاق وإجماع في مسألة التغيرات المناخية بعد عقدين أو ثلاثة عقود من الآن عندما يصطلون بآثار التغيرات ‏المناخية بشكل أشد وأنكى من الآن، أما من الناحية العلمية العملية فأنا أزعم أن النشاط البشري يقف وراء التغيرات الأخيرة وهذا ثبت من قبل جهات مستقلة وبحوث ‏ودراسات علمية، وأصبحت مسألة التغيرات المناخية معادلة مقاسة ومحسوبة والآثار الجانبية ملموسة وسوف تتفاقم مستقبلاً حتى لو أتفق العالم على خفض ‏انبعاثات الغازات الدفيئة فالاستجابة الأرضية الإيجابية لن تكون مباشرة وإنما ستأتي بمراحل والله أعلم وأحكم.‏

 

هذا من جهة ومن جهة أخرى السعودية وإن كانت من أقل الدول تلويثاً للأجواء إلا أن جهود وطموحات القيادة الحكيمة للمساهمة في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، والعمل على التوسع في استخدام الطاقة المستدامة والنظيفة مسألة مهمة، ولعل من أبرز هذه الجهود بناء مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر وإنتاج الأمونيا الخضراء ‏ وهو الأول في العالم، وسوف تقوم السعودية بنقل المنتج الجديد إلى جميع أنحاء العالم ليستخدم في قطاع النقل والمواصلات بدلاً من الوقود الأحفوري، وليسهم في الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ‏من جهة أخرى جاري العمل في السعودية على الاستفادة من الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح لإنتاج طاقة متجددة وخضراء، ولعل هذا بدأ يتجسد في منطقة الجوف عبر مشروع توليد الطاقة الكهربائية من خلال طاقة الرياح.

 

أ.د. عبدالله المسند

أستاذ المناخ في قسم الجغرافيا بجامعة القصيم (سابقاً)

  •   
التعليقات
جميع الحقوق محفوظة 2021
جميع التعليقات والردود المطروحة لا تمثل رأي موقع
الدكتور عبد الله المسند ، بل تعبر عن رأي كاتبها
المتصفحون الان: 10
أنت الزائر رقم 17,483