|
|||
---|---|---|---|
ظاهرة بصرية جوية يراها رواد البر أحياناً!!
يتساءل بعض رواد البر عن ظاهرة بصرية وهي مشاهدة أنوار البلدات القريبة منهم نحو 10-20كم فترة من الوقت ثم اختفاؤها؟ هل تندرج تحت ظاهرة الغيلان (الجن)؟ أو هي ظاهرة وهمية؟ أو خدعة بصرية؟ أم لها تفسير علمي؟
الجواب: هذه الظاهرة البصرية تُدعى بالسراب العلوي أو السراب المتفوق Superior Mirage ، تجعل الأشياء البعيدة التي تكون تحت الأفق ولا نشاهدها بسبب بعدها واحتداب الأرض تجعلها فوق الأفق!! وهي خدعة بصرية، عملت الطبقة الهوائية الحارة التي تعلو القرية عمل المرايا أو العدسة (سراب) فعكست أنوار القرية فوق الأفق ... كيف؟
في حالة المقطع المرفق والمصور أول الخريف الحالي من الصديق الأستاذ بدر الغذامي شمال غرب محافظة رماح بنحو 20كم، كانت طبقة الهواء المماسة لرماح معتدلة الحرارة نوعاً ما، بينما الطبقة الهوائية التي تقع فوقها أشد منها حرارة، الأمر الذي جعل كثافة الهواء بين الطبقتين متبايناً، وهذا يُسمى في علم المناخ الانقلاب الحراري، ونعني به أن الطبقة الهوائية العليا أعلى درجة حرارة من السفلى، وهذا خلاف الأصل فيزيائياً، حيث تعلمنا أنه كلما ارتفعنا انخفضت درجة الحرارة، ولكن الانقلاب الحراري يكسر تلك القاعدة، في ظروف عدة منها الحالة التي نحن بصددها، إذ إن سطح الأرض أول الليل يبدأ يفقد حرارته بسرعة فيُبرّد الطبقة الهوائية المماسة له، بينما الطبقة الهوائية العليا ما زالت تحتفظ بالحرارة وتفقدها ببطء، وذلك بسبب اختلاف الحرارة النوعية بين سطح الأرض (اليابس) والهواء.
وهذا يتكرر بالمناسبة أعني الانقلاب الحراري في آخر الليل وأول الصباح في فصل الشتاء فيكون الهواء فوق سطح الأرض مباشرة أبرد من الطبقة التي تعلوه، وعليه نرى سُحب الدخان والسخام والتلوث لا ترتفع إلى أعلى، بل تُحبس بسبب هذه الظاهرة، حتى ترتفع الشمس وتُسخن سطح الأرض فينتهي الانقلاب الحراري ومن ثَم تعود الأمور لطبيعتها (كلما ارتفعنا انخفضت درجة الحرارة).
نعود للمقطع المرفق حيث تظهر أنوار محافظة رماح في الأفق للمصور، عبر شاشة علوية أو عدسة أو قل مرايا تعكس أنوار رماح فترفها للناظر من بعيد عبر ظاهرة السراب وهي خدعة بصرية (ولولا السراب الذي رفعها لم نستطع مشاهدة أنوار رماح بسبب بعدها واحتداب الأرض)، ويتبين مع الوقت للمشاهد أن الأنوار تبدأ بالاختفاء التدريجي، والعلة في ذلك أن طبقة الهواء فوق سطح الأرض مباشرة، وطبقة الهواء التي تعلوها بدأت بالتجانس الحراري فيما بينهما، وانتهت عملية السراب وانكسار الضوء في الطبقة العلوية الحارة، وتجدر الإشارة إلى أننا لا نستطيع رؤية ظاهرة السراب العلوي في كل وقت، بل يلزم أن يكون هناك تفاوت حراري بين الطبقتين، وتكون السفلى أبرد من العليا.
وظاهرة السراب العلوي قد تحدث في الليل كما النهار، وربما أفضل طريقة لكشفها بسهولة التصوير بواسطة تقنية التايم لابس حيث يتبين لك سطح الأرض يرتفع ومن ثم ينخفض!! وكيف تظهر الصور التي تحت الأفق ثم تختفي!! هذا من جهة ومن جهة أخرى ظاهرة السراب العلوي أو المتفوق يفسر ظاهرة السفن التي تطير في الجو، وكأنها سفن أشباح كما وصفها البحارة القدماء قبل أن يعرفوا تفسيرها العلمي .. والله أعلم.
طالع المقطعين لمزيد من التوضيح
*الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون |
|||
|