|
|||
---|---|---|---|
جغرافية أشراط الساعة الكبرى الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، ولا أحد يعلم متى الساعة لا جبريل عليه السلام، ولا حتى رسولنا وحبيبنا محمد ﷺ، ولكن من رحمة الرحمن أنه وضع للساعة علامات وأشراطاً تُنذر بقرب قيامها، وتنقسم العلامات إلى قسمين: علامات صغرى وهي كثيرة منها ما وقع، ومنها ما هو واقع حالياً، ومنها ما سيقع في المستقبل، وعلامات كبرى وهي عشرة إذا بدأت توالت. ودونك (بعض) العلامات الصغرى التي صحت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام:
وترتيب حدوث أشراط الساعة الكبرى مختلف فيه بين العلماء ومما ورد هذا الترتيب:
وعلامات الساعة الكبرى على ثلاثة أنواع: مظاهر بشرية: خروج الدجال، نزول عيسى بن مريم من السماء، يأجوج ومأجوج. كائنات غير بشرية: الدابة التي تكلم الناس. مظاهر طبيعية: الخسوفات الثلاثة، طلوع الشمس من مغربها، الدخان. وسأتحدث عن العلامات الكبرى التي لها علاقة بالجغرافيا الطبيعية وهي: الخسوفات الثلاثة، طلوع الشمس من مغربها، والدخان، وسأحاول أن أتطرق للجانب العلمي الجغرافي في هذا الشأن، والإجابة على سؤال: كيف؟ وأين؟ أين ستقع الخسوفات الثلاثة؟ وكيف ستقع؟ كيف سيحدث الدخان؟ ومن أين سيأتي؟ وكم سيستغرق مكثه؟ وما أثره على الناس؟ كيف ستطلع الشمس من مغربها؟ وكيف ستتوقف الأرض عن دورانها؟ وما مصير الوقت واليوم آنذاك؟ وماذا بعد طلوعها؟ وقبل الشروع في هذا أقول: الله ـ عز وجل ـ أجرى مخلوقاته وموجوداته منذ بدء الخليقة (أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا) حتى نهايتها (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) وفق سنن إلهية، ونواميس ربانية، وقوانين فيزيائية لا تتغير ولا تتبدل إلا في حالات نادرة ومحدودة زمانياً ومكانياً كالمعجزات والكرامات فهذه خارج نطاق الناموس، وعليه فالمتوقع ـ والله أعلم ـ أن آلية حدوث العلامات الكبرى الكونية الطبيعية ومنها الثلاث التي نحن بصدد الحديث عنها أن لها أسباباً ومسببات طبيعية قدرها الله تعالى، ولا تجري ـ والله أعلم وأحكم ـ مجرى المعجزات وكن فيكون، بل لها أسباب طبيعية، ومقدمات منطقية انعقدت وجار حدوثها وفق قضاء الله وقدره فسبحان (َالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى).
أولاً: الخسوفات الثلاثة: قال ﷺ: "إن السّاعة لن تقوم حتّى تروا عشر آيات فذكر منها: ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب" قلت: ومواضع الخسوف الجغرافية هي كما بينها المصطفى ﷺ، فالخسف الأول بالمشرق وهنا يُقصد به شرق جزيرة العرب، والمقصود يكون في قارة آسيا، والخسف الثاني بالمغرب ويقصد به غرب جزيرة العرب، وقد يكون في أفريقيا، والخسف الثالث محدد في جزيرة العرب، وأُرجح ـ والله أعلم ـ أنه في الشرق منها، فهو أدعى أن يستقبل الخسوف من غيره، حيث جيولوجية أرض العرب وما يسمى بالرف الرسوبي، والذي يحتل النصف الشرقي من أرض العرب، وهو يتعرض لخسوفات متعددة، ولكن الخسف العلامة سيكون عظيماً، وربما عميقاً، وسيكون حديث العالم أجمع. والله ـ عز وجل ـ منذ بدء الخليقة حتى نهايتها أجرى الكون وفق سنن إلهية، وقوانين ربانية، وقواعد رياضية علم منها الإنسان القليل ويجهل منها الكثير، وعليه أزعم ـ والله أعلم ـ أن حدوث هذه الخسوفات الثلاث ستكون في أوقات متقاربة، وربما يأتي ترتيبها كما رتبها في الحديث، الأول في المشرق يليه الذي في المغرب، وأخيراً في جزيرة العرب، وربما غير ذلك إذ إن الحبيب محمد ﷺ لم يشر إلى ترتيبها الزمني. وقد يكون سبب هذه الخسوفات جيولوجي بشري كاستنزاف المياه أو النفط، أو سبب طبيعي كتآكل الصخور الرسوبية بسبب كثرة الأمطار، وقد يعضد هذا أن الساعة لا تقوم حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً كما ورد في الحديث. وآيات الله في الغالب الأعم تحدث وفق مسببات طبيعية، لا معجزات لحظية، وأظن أن هذه الخسوفات لن تكون كغيرها مما سبقها بل أكبر، وأعظم والله أعلم بعمقها وقطرها وخطورتها.
الدخان: قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} قال ﷺ: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آَيات فذكر الدخان والدجال والدابة .." وهذه الآية والعلامة ستعم الأرض قاطبة بدخان يأتي من السماء، ولنا أن نتأمل بل ونتفكر عن مصدر هذا الدخان من خلال القاعدة التي ذكرتها وكررتها أن علامات الساعة الكونية الطبيعية لها مسبباتها الطبيعية وفق السنن الإلهية والنواميس الربانية الدنيوية، وعليه فإن هذا الدخان ـ والله أعلم ـ دخان سماوي حيث يقدر الله تعالى أن تدخل الأرض، وربما كل أو بعض كواكب المجموعة الشمسية في سحابة كونية عظيمة، وهي عبارة عن سديم سماوي، الأرض والسديم كل في فلك يسبحون، والله قدر أن يصطدما حتى يغشى السديم (الدخان) الأرض لفترة زمنية، قيل يبقى لأربعين ليلة. وربما ـ والله أعلم ـ لن يقع هذا الحدث فجأة، إذ إن قرب الأرض من السديم سيجعله مشاهداً قبل الحدث في فترة زمنية الله أعلم بطولها، والله يقول (فَارْتَقِبْ)، وعند حدوث الدخان سيكون عذاباً أليماً للكافرين، ويأخذ بالمؤمنين كالزكمة.
طلوع الشمس من مغربها: طلوع الشمس من مغربها من أعظم أشراط الساعة الكبرى، وبه يغلق باب التوبة. قال ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، فرآها الناس، آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا»، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} كما تعلم فإن تعاقب الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول نفسها خلال 24 ساعة، وشروق الشمس من الشرق، وغروبها من الغرب بسبب هذا الدوران، فما الذي سيحدث للأرض؟ حتى تطلع الشمس من مغربها؟ الله تعالى كوّر الأرض حول نفسها ليتعاقب الليل والنهار، ـ والله أعلم ـ ((قد)) يُقدر سبباً فيزيائياً يجعل الأرض تتوقف عن الدوران حول نفسها من الغرب إلى الشرق بالتدرج .. نعم بالتدرج، ومن ثَم تتوقف برهة من الزمن، ثم يبدأ الدوران العكسي من الشرق إلى الغرب فتطلع الشمس من مغربها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة الكونية العظيمة، والمخيفة (قد) تُسبق ببطء دوران الأرض التدريجي، حتى يطول اليوم فيكون اليوم كالجمعة، ويوم كشهر، ويوم كسنة، والأخير يتزامن مع توقف الأرض عن الدوران من الغرب إلى الشرق برهة من الزمن، فيعقب ذلك دورانها التدريجي من الشرق إلى الغرب؛ فتطلع الشمس من مغربها، ثم يبدأ اليوم يتسارع تدريجياً فيكون طول اليوم كشهر، ثم كجمعة بمعنى أن الحركة تسارعية حتى تعود الأرض إلى دورانها الزمني الطبيعي دورة كل 24 ساعة، وهذا الحدث الكوني المفزع قد يكون متزامناً مع ظهور المسيح الدجال، إذ إن العلامتين لهما علاقة بالوقت وطول اليوم كما بينه المصطفى في حديث الدجال عندما سُئل ﷺ (يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ). والأرض ـ والله أعلم ـ لن تتوقف عن الدوران فجأة!! لأن هذا يدمر كثيراً من أنظمة الأرض كالرياح، والتيارات البحرية، ثم أن الغلاف الجوي يستمر بالدوران بسرعة 1760كم في الساعة حول الأرض التي توقفت فجأة، وهذا سيجعل الغلاف الجوي يرفع كل ما على الأرض من إنسان، وحيوان، وأشجار، وأحجار، ومبان، وتربة، وكل شيء غير ملتصق بالصخور الصلبة، ويرفعها إلى السماء معلقة فيها إلى أن يضعف دوران الغلاف الجوي تدريجياً ومن ثم يتوقف فتتساقط الأشياء مرة أخرى على سطح الأرض .. والحياة لن تنتهي بطلوع الشمس من مغربها بل التوبة هي التي تنتهي، والحياة ستبقى لأمد الله أعلم بطوله، وكما ذكرت في الحلقات السابقة الآيات الكونية يوم القيامة ربما يُجريها الخالق وفق سننها ونظامها وقوانينها الدنيوية، وليست عبر كن فيكون أعني عبر المعجزات التي تكسر القوانين الفيزيائية التي قدرها الله تعالى ..هذا والله أعلم.
والسؤال يبقى: ما الذي سيجعل الأرض تتباطأ ومن ثم تُغير جهة دورانها حول نفسها؟ كشفت الساعات الذرية أن طول اليوم في العصر الحديث أطول بحوالي 1.7 مللي ثانية مما كان عليه قبل قرن من الزمان، وثبت لدى العلماء أن سرعة الأرض تتباطأ مع الوقت، وأن طول اليوم الآن أطول مما كان عليه قبل بضعة ملايين من السنين، وعليه ـ شخصياً ـ لا أعلم عن السبب الحسي الذي سيتسبب بتباطؤ دوران الأرض: هل هو اختلاف العلاقة أوالمسافة بين الأرض والقمر؟ أم أن هناك جرماً عظيماً سماوياً خارجياً سيؤثر على سرعة دوران الأرض؟ لا أعلم .. الله أعلم. وفي الختام أقول: إن شرح علامات الساعة الكونية بهذا التفصيل، وبهذا التأمل العلمي أجده مفيداً لإعمال الفكر (وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ)، وهو لا يخالف النصوص، بقدر ما يدعو إلى التأمل في خلق الله وقدرته، وهو أزعم أنه طرح قد يكون جديداً في هذا الميدان، وأنا أطرحه من باب التأمل في آيات الله الكونية، والتفكر في الأسباب والمسببات لعلامات الساعة، لا من باب الجزم به .. هذا والله أعلم.
أ.د. عبدالله المسند 1445-2024 |
|||
|