|
|||
---|---|---|---|
الأرضين السبع .. أين الست الباقية؟ ذُكر مصطلح الأرض بلفظ الإفراد في القرآن الكريم، وفي السنة بلفظ الجمع؛ وعددها سبع، جاء ذلك في ظاهر القرآن وذلك في آية واحدة في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، أي في العدد لا في الحجم والشكل، وفي صريح السنة وردت في عدة أحاديث منها قوله ﷺ: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن) وقال ﷺ: (إن السماوات السبع والأرضين السبع في قبضته)، وثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) وقال ﷺ: (ما السموات السبع وما فيهن وما بينهن، والأرضون السبع وما فيهن وما بينهم، في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة) وقال ﷺ: (لو أن السموات السبع وعامرهن، والأرضين السبع جعلن في كفة، ولا إله إلا الله في كفة؛ لمالت بهن لا إله إلا الله) .. وغيرها كثير. ما المقصود بالأرضين السبع؟ القول الأول: ذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود بالأرضين السبع هي طبقات الأرض الجيولوجية، والتفسير هذا هو المشهور، ولكن ـ والله أعلم ـ قد لا تكون الطبقات تلك المرادة في الآية الكريمة، إذ إن الأرض هي التي يعيش على سطحها خلق، وفيها مقدراتهم ومواردهم التي تكفل لهم حياتهم، في حين إن طبقات الأرض الجيولوجية لا تصلح للعيش إذ إن بعضها لزج وبعض الآخر سائلة، إلا الطبقة الخارجية وهي التي أخذت اسم الأرض. من جهة أخرى: الآية نصت على سبع أراضين لا سبع طبقات، وفي الحديث إشارة إلى أن الأراضين السبع تُقل، أي فوقها خلق، الله أعلم بكنههم، إضافة إلى هذا تأمل قوله ﷺ (والأرضين السبع في قبضته) نص على سبع أرضين في قبضته تعالى، ولو كانت طبقات فإنه يكفي أن تكون الإشارة للأرض الظاهرة، وبقية الطبقات الست تأتي ضمناً، فيكون النص والأرض في قبضته، أيضاً في الحديث الآخر يقول ﷺ: (والأرضون السبع وما فيهن وما بينهم) ظاهر الحديث أن في الأراضي السبع خلق حيث قال: (وما فيهن) وقال: (وما أقللن)، والواقع أن طبقات الأرض الجيولوجية متطابقة بعضها فوق بعض، ولا يوجد حيز أو فراغ كي يُقللن أحداً، أو يعيش فيهن أحد، ثم أشار إلى (وما بينهم) أن بين الأرضين السبع حيز مكاني، وهذا يُشكل مع تفسير الأرضين السبع بأنها طبقات .. هذا والله أعلم. القول الثاني: وذهب قوم إلى أن المقصود بالأرضين السبع: أرضنا مع بقية كواكب المجموعة الشمسية!! وهذا ـ والله أعلم ـ مستبعد لكون بعض كواكب المجموعة الشمسية غازية مثل المشتري، وزحل، وأورانوس وليست أرضاً صلبة كالأرض، ولا يمكن أن تقل خلقاً، علاوة على ذلك: العدد سبعة لا ينطبق على كواكب المجموعة الشمسية. القول الثالث: وذهبت طائفة ثالثة إلى أن المراد بالأرضين السبع القارات (آسيا، أفريقيا، أوروبا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أستراليا، القارة المتجمدة الجنوبية) وهذا تفسير ضعيف أزعم، إذ إن تقسيم وتوزيع القارات إلى قارات 7 عمل بشري اصطلاحي محض، وإلا فكيف فرقنا بين أوروبا وآسيا وهي كتلة أرضية واحدة. القول الرابع: أن الأرضين الست مستقلات مثل استقلال أرضنا، وقد تكون موزعة في كل سماء واحدة، وفيها عوالم الله أعلم بجنسهم وشكلهم، ولعل قول ابن عباس رضي الله عنه ـ إن صح ـ "أن الأرضين السبع في كل واحدة منها آدم كآدمنا، وأن فيها شرائع ورسل كرسلنا" يدعم هذا الرأي، وروي عنه أنه قال في قوله تعالى: ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم، وكفرُكم تكذيبُكم بها، وروى البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" عن ابن عباسٍ قال: سبع أرَضين، في كل أرضٍ نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوحٌ كنوحٍ، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى، وفي السياق نفسه نقل الطبري عن قتادة قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ خلق سبع سموات، وسبع أرَضين؛ في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه: خَلْق من خلقه، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. قلت: ولعل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يريد أن الحياة في تلك الأراضي الست تشابه الحياة في أرضنا من حيث وجود العوالم التي أُرسل لها رسل وأنبياء. ومن جهة أخرى: يقع البيت المعمور في السماء السابعة وورد أنه فوق المسجد الحرام، وقد يقال: إن البيت المعمور في الأرض السابعة في السماء السابعة، والأرضين المتبقية في كل سماء أرض، وقد تكون متعامدة بعضها فوق بعض، وربما يكون الخط الوهمي المار بين البيت المعمور والكعبة يمر أيضاً على كل الأرضين السبع، فيكون هو خط محور دوران الكون .. ربما (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). والذي يظهر لي أن القول الرابع أقرب للمماثلة العددية للسموات، والمماثلة في الاستقلال فكل سماء لها حدودها، وكل أرض لها كينونتها، علاوة على ذلك فإن تفسير ابن عباس رضي الله عنه يشير إلى وجود عوالم أخرى عاقلة غير الإنس والجن والملائكة، في تلك الأراضي الست، ولعل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ إشارة إلى وجود مخلوقات في كل أرض من الأرضين السبع (فضلاً راجع مقالتي الموسومة بـ من يسكن معنا في هذا الكون العظيم!؟). وفي الختام يبقى فهم مراد الله في الأرضين السبع غير معلوم على وجه اليقين، وما سلف يعتبر عن محاولة لتفسير الآية، والله أعلم بالصواب {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. أ.د. عبدالله المسند 1445-2024 |
|||
|