|
|||
---|---|---|---|
منخفضات البحر المتوسط وآثارها على الجزيرة العربية
مع قدوم أي "منخفض جوي" حركي جديد تسود حالة جوية خاصة تدعى (حالة عدم استقرار جوي) تؤثر على منطقة الشرق الأوسط، وهذا "المنخفض الجوي الحركي" يتخلق بمشيئة الله تعالى فوق المحيط الأطلسي وأحياناً فوق البحر المتوسط ويأخذ هيئة وشكلاً معيناً إذ يتكون جرم المنخفض من مركز يتصف بانخفاض الضغط الجوي مقارنة بما حوله، كما تتكون للمنخفض جبهتان الأولى: الجبهة الدافئة وتكون في مقدمة المنخفض والثانية: الجبهة الباردة وتكون في نهاية المنخفض، والباردة عادة هي الأسرع والأقوى.
وقدر الله أن يكون الهواء فوق الأرض ضمن "كتل هوائية" ضخمة وواسعة منها الباردة الجافة ومنها الساخنة الرطبة وعندما يحدث اصطدام بينهما يندفعان دون أن يمتزجا مع بعض فتتكون المنخفضات الجوية ومعها الجبهات (الباردة والدافئة) فيصبح الجو في حالة عدم استقرار وقد يبلغ عرض المنخفض مئات الكيلومترات وغالباً ما يعبر أجواء المملكة خلال 24 ساعة فقط.
و "المنخفض الجوي" هو انخفاض في قيم الضغط الجوي يحدث لأسباب، منها تصادم بين كتل ذات خصائص فيزيائية مختلفة، وفي بيئة المنخفضات تتشكل السحب ـ بإذن الله تعالى ـ إذا كان الهواء يحمل رطوبة كافية مع توافر أخاديد علوية باردة، والطقس المصاحب للمنخفض يتميز عادة بعدم الاستقرار والرياح تدور على المنخفض بعكس عقارب الساعة.
ويشار إلى أن المنخفضات الجوية على نوعين، الأولى: منخفض جوي حراري مثل منخفض الهند الموسمي ومنخفض البحر الأحمر، والثاني منخفضات حركية مصحوبة بجبهتين دافئة وباردة وهذه غالباُ تكون قادمة من ممر البحر الأبيض المتوسط، وهذا النوع هو الذي ضرب المنطقة مجددا. والجبهة الدافئة تأتي في مقدمة المنخفضات الجوية وتجلب معها الرياح الجنوبية الشرقية ثم الجنوبية ثم الجنوبية الغربية كما تجلب الدفء فإذا كانت الرطوبة متوفرة ظهرت السحب السمحاقية الرفيعة والرقيقة وغير الممطرة والتي ليس لها ظل حيث تظهر قبل وصول المنخفض بيوم أو يومين يليها السحب المتوسطة ثم
ويعقب المنخفض الجوي مرتفع جوي، وهو ارتفاع في قيم الضغط جراء انضغاط الهواء من أعلى طبقة الغلاف الجوي (الهواء الكثيف)، والطقس المصاحب للمرتفع يتميز باستقرار جوي في المنطقة والرياح التي تنطلق منه تكون باتجاه عقارب الساعة.
وطبقاً لتحليلات المعطيات المناخية الرقمية للمملكة فإنها تشير إلى أن أشد العواصف الرملية وأكثرها تكراراً تحدث في فصل الربيع من كل عام وغالباً في شهر أبريل، وهي الفترة الانتقالية الحركية النشطة بين فصلي الشتاء والصيف.
وما حدث يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430هـ الموافق 10 مارس 2009 كان متوقعاً وقد تم التحذير والتنويه عنه عبر جوال الرياض "قناة كون" حيث تم مراقبة المنخفض العميق (995 ملي بار) ومساره منذ تكونه بالبحر المتوسط ومن ثم دخوله لليابسة عابراً دول الشام وشمال الجزيرة العربية وفي مقدمته وكالمعتاد هبت الرياح الجنوبية الشرقية الدافئة من يومي الأحد والاثنين كاستجابة طبيعية فيزيائية لطلب "مركز" المنخفض للهواء من حوله حيث بدأت هذه الرياح بالنشاط ورفع درجة الحرارة إلى حوالي 35 درجة مئوية في المنطقة الوسطى ومن ثم بدأت الرياح بالانحراف السريع إلى جنوبية ثم جنوبية غربية ثم غربية ثم شمالية غربية قوية وباردة ومثيرة للغبار سجلت سرعتها حوالي 60كم في الساعة وذلك في محافظة حفرالباطن.
ويشار إلى أن المنخفض الجوي قد بدأ تأثيره على المنطقة الغربية قبل الوسطى بيوم واحد حيث ضربت عاصفة رملية المنطقة الغربية كما تسبب ـ بإذن الله تعالى ـ بهطول أمطار متفرقة في شمال حائل والجوف والحدود الشمالية. وفي صباح الثلاثاء ضربت العاصفة شمال شرق المملكة ثم الزلفي مروراً بالقصيم وسدير والوشم وصولاً إلى منطقة الرياض ثم الأفلاج وكذلك الشرقية والكويت، وكانت تلك العاصفة الأقوى والأعنف منذ سنوات حيث بلغ مدى الرؤية حدوداً متدنية جداً - حوالي أقل من 50 متراً - في بعض المناطق. وقد أثرت العاصفة على حركة المواصلات البرية والجوية حيث علق آلاف المسافرين في مطار الرياض والكويت، وتسببت بعشرات الحوادث على الطرقات، كما وأغلقت جرائها المدارس في الزلفي والمجمعة وتغيب الآلاف من الطلاب والطالبات عن المدارس، وانتشر الذعر في أوساط الطالبات في الكثير من مدارس مدينة الرياض. كما وأعلنت حالة الطوارئ منذ وقت مبكر من يوم الثلاثاء في الكثير من المستشفيات التي توجه إليها المئات من المصابين بالربو وأمراض الجهاز التنفسي. ويشار إلى أن جوال الرياض "قناة كون" أول وسيلة إعلامية متخصصة تدعو أولياء الأمور إلى عدم إرسال أبناءهم للمدارس في المناطق المتأثرة بالعاصفة وذلك في تمام الساعة 6.45 من صباح يوم الثلاثاء.
وقدرنا في السعودية أن تحيط بمراكزنا الحضرية بحار من الرمال الواسعة الشاسعة المتصلة إحاطة السوار بالمعصم هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكمظهر من مظاهر الصحراء القاحلة، فإن التربة السطحية في معظم مناطق السعودية مفككة وجافة بل وعارية من المصدات الطبيعية؛ كالنباتات والأشجار، لذا فإن التربة قابلة للتحرك عند بلوغ الرياح أدنى درجاتها الحرجة (5-16 متراً بالثانية). والأسابيع القادمة قد تكون حبلى بعواصف رملية مشابهه تلوث الجو بعوالق معدنية وعضوية تنعكس سلباً على صحة الناس ومصالحهم المختلفة إلا أن يشاء الله غير ذلك وهو أرحم الراحمين.
وتشكل نسبة المصابين بالربو ومشاكل الجهاز التنفسي المختلفة في المملكة نسبة كبيرة، تقدر في بعض المناطق بحوالي 25%، تعج بهم المستشفيات الحكومية فضلاً عن الخاصة عند حدوث موجة غبار كثيفة، وهم أشد الناس حساسية لمثل هذه الظروف الجوية. وحيث أن ظاهرة العواصف الرملية تتكرر في كل الفصول وتتعاظم في فصل الربيع وأحياناً تعصف خلال اليوم الواحد مرتين، وحيث أن التحسس من الغبار مرض مزمن ومنتشر إلى حد كبير، لذا أدعو إلى خطوات علمية وعملية في مواجهة الظروف الحرجة إبان هبوب العاصفة الترابية Sand storm على المستوى الصحي والمالي، الزمني والمكاني، الأهلي والحكومي، وهي فكرة الغرفة النقية التي تعد فقط في البيوت التي يعاني أحد أفرادها من هذه المشكلة الصحية المتكررة.
كيف توفر غرفة نقية في بيتك؟ أعد تأهيل إحدى الغرف لتكون ملجأَ صحياً آمناً إبان هبوب العواصف الرملية الشديدة وذلك عن طريق ما يلي:
وهذا اقتراح للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بالسعودية وغيرها من الدول ذات الظروف المشابهة، بأن تكون أكثر دقة ومتابعة لتقلبات الطقس خلال ساعات اليوم، خاصة في موسم العواصف الرملية، وأن تتسلح بأحدث الوسائل والبرامج في هذا الاتجاه؛ لتعطي تحذيرات آنية ودقيقة وسريعة للجمهور، وأيضاً للجهات ذات العلاقة عبر وسائل الإعلام كما يحصل في الدول المتقدمة.
وهناك اقتراح آخر مكمل لما قبله موجه لمحطات التلفزيون والإذاعة بأن تتفاعل مع هذه التحذيرات الزمنية والمكانية، وأن تقوم بدورها بتحذير المواطنين عبر علامات تحذيرية تظهر على الشاشة مباشرة ـ دون الحاجة لقطع البرنامج ـ وأن يظهر التحذير بالدرجات والألوان التي تعكس خطورة الوضع من عدمه والتي يفهمها المتلقي العادي (وتفاصيل الآلية أدعها للمختصين).
ويُشار إلى أن ظاهرة العواصف الرملية تعد من أسوأ وأخطر الظواهر المناخية في السعودية على الصعيد الصحي والزراعي والمالي، لذا فإنني أزعم أن إيجاد الغرفة النقية، وتتبع ورصد العواصف الرملية، قبل وأثناء نشوئها، وتحذير المواطنين منها عبر التلفزيون والمذياع لأخذ الاحتياطات اللازمة ستحقق بإذن الله تعالى تدني نسبة المراجعين لعيادات الطوارئ وعدد مراجعي المصحات الطبية كنتيجة الأزمات الصحية المتزامنة مع الغبار، بل والفائدة تتجاوز ذلك إلى أخذ الاحتياطات اللازمة من الجهات ذات العلاقة كالتعليم والمرور والنقل الجوي وغيرهم منذ وقت مبكر... ودائماً الوقاية خير وأرخص وأسرع وآمن من العلاج؟.
د. عبدالله المسند
10/3/2009
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم – قسم الجغرفيا، ورئيس المجموعة التخصصية لدراسات المناخ والبيئة والمياه في الجمعية الجغرافية السعودية
|
|||
|